العقار وسحب الجنسية… حدث مفصلي محدود الأثر
إيمان الحشاش
لم تكن حملة سحب الجنسية الكويتية خلال عامي 2024 و2025 مجرد إجراء إداري يتعلق بتصحيح أوضاع قانونية، بل تحولت إلى حدث مفصلي أثار سلسلة من التداعيات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، ومثل كل قرار سيادي واسع الأثر، امتدت تداعيات هذه الحملة إلى قطاعات متعددة، كان من أبرزها سوق العقار الذي يُعد في الكويت ليس فقط ملاذاً استثمارياً آمناً بل مرآة لثقة الناس في استقرار الدولة.
القراءة الأولية لما جرى قد توحي بأن السوق العقاري تأثر سلبا بهذه الحملة خاصة مع تداول تقارير عن موجة “هلع بيعي” شهدتها بعض المناطق السكنية وانخفاضات سعرية وُصفت بـ”الملحوظة”، لكن عند التمعّن في التفاصيل ومراجعة الإطار القانوني وفهم منطق السوق وتكويناته يتضح أن التأثير كان نفسياً ظرفياً أكثر من كونه بنيوياً عميقاً.
فالعدد الإجمالي لمن سُحبت منهم الجنسية – رغم ضخامته الإعلامية – لم يكن مؤهلاً لإحداث اختلال في توازن العرض والطلب لا من حيث الكتلة المالية التي تمثلها تلك الفئة ولا من حيث عدد العقارات المعروضة فعلياً بفعل الحملة، وحتى في الحالات التي سُجلت فيها عمليات بيع سريعة أو بأقل من القيمة السوقية فقد جاءت محكومة بالخوف من المجهول أكثر من واقع السوق.
احترام المعايير القانونية
في بيئة قانونية كالكويت، حيث تُنظم الملكية العقارية بمحددات دقيقة تتصل بالجنسية، يفرض فقدان الجنسية تبعات مباشرة على حق التملك، فبحسب القواعد المعمول بها لا يجوز لغير الكويتيين امتلاك العقارات السكنية الخاصة باستثناء حالات محددة وبموافقة استثنائية، وعليه فإن من تُسحب منه الجنسية يُفقد من الناحية القانونية أهليته للاحتفاظ بعقار سكني كان قد تملكه بصفته السابقة.
لكن اللافت أن الدولة لم تتجه نحو أسلوب المصادرة أو المعالجة الفورية القسرية بل اختارت مساراً أكثر تدرجاً واحتراماً للمعايير القانونية والإنسانية، إذ من المتوقع منح الأشخاص المعنيين بفقد الجنسية مهلة قانونية لتسوية أوضاعهم العقارية سواء بالبيع أو بنقل الملكية أو حتى بإجراءات التصفية تحت إشراف الجهات الرسمية.
قانونياً هذه الخطوة تعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين التشريع والاستقرار الاقتصادي، فالمبدأ المعروف في القانون المدني هو أن التغيير في الصفة القانونية لا يجوز أن يُطبّق بأثر رجعي على المراكز القانونية المستقرة ما لم تكن مكتسبة عن طريق الغش أو التحايل.
ثغرات التنسيق المؤسسي
بعيداً عن مسألة التملك طرحت أزمة سحب الجنسيات سؤالاً معقداً حول الالتزامات المالية لهؤلاء الأفراد وفي مقدمتها القروض العقارية والاستهلاكية، فمن جهة، فإن المقترضين فقدوا مصدر دخلهم الرئيس – غالباً الوظيفة الحكومية – وهو ما يضعهم في دائرة العجز المالي، ويزيد احتمالات التعثر.
لكن الأهم من ذلك أن المؤسسات المالية لم تكن مستعدة فعلياً لهذا السيناريو، فلا بنك الائتمان الكويتي ولا البنوك التجارية ولا حتى الجهات القضائية كان لديها خطة طوارئ لمعالجة قروض مواطنين فقدوا صفتهم القانونية دفعة واحدة، هذه الثغرة في التنسيق ليست مسألة إدارية فقط بل تمس بشكل مباشر مصداقية النظام المالي وقدرة الدولة على إدارة الأزمات ذات الطابع السيادي.
سوق الإيجارات والعقارات الاستثمارية
وإذا كان القطاع السكني قد تأثر نسبياً بموجة بيع مفاجئة في بعض المناطق فإن قطاع الإيجارات حافظ على درجة أعلى من التماسك، فالعقارات الاستثمارية – المباني المؤجرة – شهدت في العامين الماضيين طلباً مستمراً نتيجة عودة حركة التوظيف والعمالة الوافدة بعد الجائحة وهو ما ساعد في امتصاص أي آثار جانبية ناجمة عن خروج بعض الأسر من مساكنهم بسبب فقدان الجنسية.
بين الحزم والسياسة
بمنظار اقتصادي وقانوني متكامل يمكن القول إن حملة سحب الجنسيات لم تكن ذات أثر هيكلي عميق على سوق العقار.
أما الأثر الفوري كان نفسياً مدفوعاً بالقلق لكن السوق الكويتي بطبيعته – وبفضل ثقافة التملك العقاري الراسخة – لم ينزلق إلى مرحلة الانهيار أو حتى التصحيح الحاد.
وقد أثبتت التجربة أن العقار في الكويت لا يتأثر بسهولة بالعوامل الطارئة، لكنه يتفاعل بسرعة مع العوامل النفسية والسياسية، إن كانت حملة سحب الجنسيات قد خلفت ارتباكاً موضعياً فإن ما حمى السوق من التأثر العميق هو سرعة استجابة الدولة بتدابير قانونية مهدئة وتماسك قواعد العرض والطلب على الأرض.
لكن الرسالة الأهم تبقى للحكومة ومؤسساتها: أن كل إجراء سيادي خصوصا في ملفات الهوية والمواطنة لابد أن يُواكب بإطار قانوني اقتصادي متكامل يتوقع الأثر ويحتويه قبل أن يتوسع.
مستشارة قانونية عقارية
الكويت الان ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.