'من دون قصد'… مسرحية تراجيدية إنسانية منضبطة تجسد صراع الخير والشر بأشكال مختلفة

مشهد من مسرحية “من دون قصد”

قدمت ضمن عروض الدورة الثانية من مهرجان “باك ستيج” المسرحي

يواصل مهرجان باك ستيج المسرحي في دورته الثانية تقديم العديد من العروض المسرحية، وذلك ضمن فعاليات دورته الثانية، حيث عرضت مسرحية “من دون قصد” وهي ضمن العروض التراجيدية، من تأليف مريم نصير، وإعداد شاهين النجار، وإخراج أحمد الرشيدي. وقد قدم هذا العمل بتشكيلة تمثيلية رجالية خالصة، دون حضور العنصر النسائي على مستوى الأداء، وهو ما أضفى على العمل نبرة قاسية ومكثفة تتلاءم مع فكرة الصراع الداخلي القائم في جوهر العرض.

تدور أحداث العمل حول الإنسان، بوصفه كائنًا تمزقه الأضداد في أعماقه: صراع الخير والشر، الحق والباطل، الاستسلام والمواجهة. فالشخصية الرئيسية ليست مجرد فرد، بل تمثل الإنسان عمومًا حين يجد نفسه واقعًا بين مطرقة المجتمع والسلطة وسندان ذاته المتعبة. ويناقش العرض الظلم والقهر والاضطهاد الذي يمارس على الفرد، وتحديدًا حين يتحول القانون من عنصر حماية إلى أداة إذعان. وهنا يبرز سؤال المسرحية الأكثر خطورة: هل يُولد الشر من داخل الإنسان، أم أن المجتمع هو من يحرضه؟.

لعرض أنه لم يقع في المباشرة أو الوعظ، بل اختار معالجة موضوعه عبر لغة جسدية قوية وتعبير حركي منضبط. وقد استثمر الممثلون خشبة المسرح بكامل مساحتها، بل تجاوزوا الخشبة إلى ما تحتها، في استعارة بصرية لما هو مخفي وقابع في دواخل النفس البشرية. كما أن اختراق الممثلين لصفوف الجمهور شكل لحظة مسرحية ذكية، جعلت المشاهد يشعر بأن الصراع ليس فوق المسرح فحسب، بل هو قائم في داخله هو أيضًا.

أما عنصر الإضاءة فكان أحد أبرز أعمدة نجاح هذا العمل. فقد جرى توظيف الإضاءة بشكل إيقاعي دقيق، يتماشى مع حركة الممثلين وتبدلات الحالة الوجدانية في العرض. الإضاءة هنا لم تكن مجرد وسيلة للإظهار، بل صارت لغة شعرية بصرية، تعمّق المعنى وتضاعف أثره.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن مسرحية “من دون قصد” هي تجربة إنسانية خالصة، تنبش الجرح الإنساني العميق، وتعيد صياغة أسئلة الوجود والهوية والعدالة والحرية. لقد خاطب العرض المتلقي مباشرة، لا بعقله فحسب، بل بوجدانه وذاكرته وألمه

العمل بشكل عام يكتمل فيه عدد من العناصر الإبداعية التي تُجسّد صراع الإنسان مع ذاته بوضوح وصدق، حيث يتعارك فيه الخير مع الشر، وتُطرح مسألة الخطايا التي يرتكبها الإنسان ويتحمل تبعاتها على مستوى النفس والمجتمع.