كرادلة العالم يجتمعون في أجواء من الصمت والصلاة لانتخاب البابا الجديد

أنظار المؤمنين تتجه نحو الفاتيكان بترقب وخشوع منتظرين ولادة راعٍ يقود الكنيسة في زمن يموج بالتحديات

أربع جولات تصويت يومياً صباحاً ومساءً… والمرشح يحتاج إلى الحصول على ثلثي أصوات الكرادلة ليُنتخب لمنصب البابا

الكويت، عواصم: تتحضر الكنيسة الكاثوليكية لحدث جليل، حيث تتجه أنظار المؤمنين في العالم كله نحو الفاتيكان بترقب وخشوع اليوم الأربعاء، منتظرين ولادة راعٍ جديد يقود الكنيسة في زمن يموج بالتحديات، وتُعد هذه اللحظة من أقدس وأهم اللحظات في حياة الكنيسة الكاثوليكية، حيث يلتئم الكرادلة في أجواء من الصمت والصلاة، لانتخاب من يقود الكنيسة الجامعة.

في هذا المقال، سنتعرف على من هو الكاردينال، وما دوره، وكيف تُجرى عملية انتخاب الحبر الأعظم.

من هو الكاردينال؟

الكاردينال هو أحد كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، ويُعتبر مساعداً مباشراً لقداسة البابا ومستشاراً له في شؤون الكنيسة العالمية، ويُعيَّن الكرادلة من قبل قداسة البابا، وغالباً ما يكونون رؤساء أساقفة لمناطق كبرى أو مسؤولين في الفاتيكان، ويرتدون عادة اللون الأحمر، رمزًا لاستعدادهم لبذل حياتهم من أجل الكنيسة.

المجمع السري (الكونكلاف):

عندما توفي البابا فرنسيس في 21 أبريل 2025، تم تعيين موعد عقد “المجمع السري” أو “الكونكلاف” في الفاتيكان لانتخاب خليفة جديد، وهذا المجمع يتكون من جميع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عاماً.

وهكذا تتم طريقة الانتخاب في المجمع، حيث يجتمع الكرادلة في كنيسة سيستينا داخل الفاتيكان وتُفرض عليهم السرية التامة، وتُقطع كل وسائل الاتصال مع الخارج، ويبدأ المجمع بأداء الكرادلة القَسَم السري والطاعة. وبعد ذلك تُجري أربع جولات تصويت يومياً (صباحاً ومساءً)، وقد يحتاج المرشح إلى الحصول على ثلثي أصوات الكرادلة ليُنتخب لمنصب البابا.

ثم تحرق أوراق التصويت بعد كل جولة. إذا لم يُنتخب أحد، يصدر دخان أسود من المدخنة، وعندما يتم انتخاب البابا الجديد، يصدر دخان أبيض، ما يُعلن للعالم بأنّه تمّ انتخاب الحبر الأعظم الجديد، حينها يُسأل المنتخب حول قبوله المنصب، وإن صرح بذلك، يُسأل عن الاسم الذي يختاره للمنصب الجديد للبابوية. وفيما يلي أبرز أسماء الكرادلة المرشحين:

الكاردينال لويز أنطونيو تاغلي (الفلبين، 67 عاماً)

يُعرف بـ”فرنسيس الآسيوي”، ويُعتبر من أبرز المرشحين لكونه يمثل الكنيسة في آسيا، حيث تشهد الكنيسة الكاثوليكية نموًا ملحوظا. يشغل منصب برو-بريفكت في دائرة التبشير الجديدة، ويُعرف بمواقفه المعتدلة تجاه قضايا مثل المثليين والمطلقين، مع التزامه بالتقاليد الكاثوليكية الأساسية.

الكاردينال بيترو بارولين (إيطاليا، 70 عاماً)

يشغل منصب أمين سر دولة الفاتيكان منذ عام 2013، ويُعتبر من أبرز المرشحين لخبرته الديبلوماسية الواسعة. مع ذلك، واجه مؤخراً انتقادات تتعلق بتعامله مع قضايا الاعتداءات الجنسية، مما قد يؤثر على فرصة الانتخاب.

الكاردينال بيتر إردو (المجر، 72 عامًا)

رئيس أساقفة بودابست، ويُعتبر المرشح الأبرز للتيار المحافظ داخل الكنيسة. يُعرف بمواقفه التقليدية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة والقيم الأسرية، ويحظى بدعم من بعض القادة السياسيين في أوروبا الشرقية.

الكاردينال ماتيو زوبي (إيطاليا، 69 عامًا)

رئيس أساقفة بولونيا ورئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين، يُعرف بانفتاحه على الحوار ومناصرته للفقراء والمهمشين. يُعتبر من أبرز المدافعين عن استمرارية نهج قداسة البابا فرنسيس في الإصلاح والانفتاح.

الكاردينال فريدولين أمبونغو (جمهورية الكونغو الديمقراطية، 65 عاماً)

رئيس أساقفة كينشاسا ورئيس مؤتمر الأساقفة الأفارقة، يُعرف بمواقفه الحازمة تجاه قضايا العدالة الاجتماعية، وقد برز كصوت قوي في القارة الأفريقية.

الكاردينال جان-مارك أفيلين (فرنسا، 66 عاماً)

رئيس أساقفة مرسيليا، يُعتبر من المقربين لقداسة البابا فرنسيس، ويُعرف بدعواته لتعزيز الأمل والسلام في ظل الاضطرابات العالمية.

الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا (إيطاليا، 60 عامًا)

بطريرك القدس للاتين، يُعتبر من الأصوات البارزة في قضايا السلام في الشرق الأوسط، وقد يُمثل خيارًا يعكس التزام الكنيسة بالحوار بين الأديان.

إن لحظة انتخاب الحبر الأعظم الجديد ليست مجرد انتقال في القيادة، بل تجلي حيّ لإيمان الكنيسة الكاثوليكية بأن الروح القدس لا يزال يعمل في قلبها ويقودها عبر التاريخ.

في عالم يئن من الحروب، والانقسامات، والتحديات الأخلاقية والثقافية، تتطلع عيون المؤمنين برجاء إلى من سيُختار ليكون خليفة بطرس وخادم خدام الله.

المجمع السري، بما فيه من صلاة وصمت وتمييز، هو أكثر من مجرد اجتماع انتخابي؛ إنه وقت مقدس يُطلب فيه نور الروح القدس، ويُصغى فيه إلى صوت الله وسط ضجيج العالم. ومع تنوع المرشحين واختلاف الرؤى والتيارات، يبقى رجاء الكنيسة أن ينهض من بينهم راعٍ يحمل قلب المسيح: حنون، متواضع، شجاع في الحق، وأمين في التعليم.

في هذه الأيام، تُدعى الكنيسة جمعاء، في الشرق والغرب، إلى أن ترافق المجمع بالصلاة والتضرع، حتى يمنح الله كنيسته حبرا أعظم يُجدد الإيمان، ويُعزز الوحدة، ويقود شعب الله نحو مستقبل يشرق فيه نور الإنجيل من جديد. إنه زمن نعمة، وزمن مسؤولية، وزمن يُعلن فيه أن الكنيسة، رغم كل ضعفها البشري، لا تزال جسد المسيح الحيّ في هذا العالم.

الأب سليمان حيفاوي

الكنيسة الكاثوليكية – دولة الكويت