يا وزراء… العاصمة موحشة ليلاً والحل هنا
نتمنى على سمو رئيس مجلس الوزراء، والوزراء المعنيين زيارة العاصمة ليلاً، كي يروا تلك الوحشة التي تعمُّها، وأن يقارنوها بكل العواصم التي تعجُّ بالحياة، ليلاً ونهاراً.
المدن الكبرى في أي دولة، وتحديداً العاصمة، تعبر عن المجتمع ومدى حيوية الدولة، لكن لدينا، حين ترى ازدحام السير صباحاً على مداخل الكويت، تعتقد أنها مدينة مليئة بالحياة، ومع بدء انتهاء الدوامات الرسمية، خصوصاً المؤسسات والوزارات، تبدأ تخلو، وبعد صلاة العشاء تُصفر فيها ريح الخواء.
منذ سنوات طويلة، كانت المطالبة بجعل العاصمة تعيش النشاط الاجتماعي والاقتصادي، ليلاً ونهاراً، غير أن ذلك لم يلقَ بالاً من المعنيين، بينما عواصم الدنيا تأسست على أن تكون القلب النابض للدولة، وشُيّدت فيها الأبراج السكنية والعمارات، وجُعلت مكتفية بذاتها.
عندنا، كانت هناك حمى التثمين التي سادت في بداية الفورة المالية، كان الهدف منها جعل الناس يخرجون من البؤس، والحاجة، ومساعدتهم على تأسيس أنشطة تجارية، ولم يكن إفراغ العاصمة من سكانها، ولا جعلها مجرد مكان للعمل الحكومي فقط، وإذا كانت هناك رؤية مغلوطة حيال الحصول على الرعاية السكنية بناءً على التوسع في السكن الخاص، فإن ذلك أدى إلى هجران العاصمة.
هذه الهجرة من قلب المدينة جعلتها تغرق في الوحشة، رغم الأنوار المشعة ليلاً، إلا أنه لا روح فيها، في المقابل أدى سوء فهم الرعاية السكنية بالتوسع العمراني حتى وصل إلى مناطق بعيدة، من دون رؤية اقتصادية واجتماعية، وبعيداً عما يخدم اقتصاد الدولة.
لهذا، أدى مفهوم “أرض وقرض” والتدخلات النيابية سعياً إلى كسب أصوات الناخبين إلى عشوائية البناء، وتشييد مدن ومناطق خرسانية قبيحة المنظر، ومضرة بالبيئة والطبيعة، وتنافي الثقافة الاجتماعية، بينما في الجانب الآخر تفاقمت أزمة الإسكان، لأن كل مواطن يريد بناء “الفيلا” الخاصة به، وكذلك كي يستثمر بالإيجارات، ما يزيد الضغط على الخدمات العامة.
لذا وجب السؤال: إلى متى يستمر التوسع الإسكاني الأفقي، وإهمال العمودي، وإلى أي حد تستطيع الدولة تلبية تخصيص الأراضي للبناء، وتهمل الأنشطة الاقتصادية والصناعية والزراعية التي هي عصب الاستقرار الاجتماعي والازدهار للدولة؟
لقد كان الوزير السابق بدر الحميدي حصيفاً حين وضع مخططاً للعاصمة لاستغلالها في السكن، لكن نواب مجلس الأمة ضغطوا لمنع تنفيذ المشروع، لأن عينهم، كما أسلفنا، كانت على صناديق الاقتراع وليست على مصلحة المجتمع والناس.
اليوم لدينا شريحة كبيرة من الشباب الذين يحتاجون إلى الرعاية السكنية، ومعظم هؤلاء درسوا في الخارج، في أوروبا والغرب عموماً، حتى في بعض الدول العربية، وقد ألفوا السكن في العمارات، بدلاً من الانتظار الطويل للحصول على “بيت العمر”، وهم لا يمانعون أن يحصلوا على شقة سكنية تراعي الثقافة الاجتماعية، وتكون مساحتها 400 أو 500 متر، ومكتفية ذاتياً بالخدمات، وتساعد على الألفة الاجتماعية.
من هنا، ولأن لدينا مساحات شاسعة في العاصمة غير مستغلة، ومتروكة، فلماذا لا يجري التعاون بين مؤسسة الرعاية السكنية، والبلدية، ووزارة المالية لتخصيصها للسكن العمودي، ويستملكها المواطنون الشباب، لتكون مصدراً حيوياً للعاصمة؟
مدينة الكويت فيها الكثير من الأماكن التراثية، والمرافق المهملة، والمتصدعة، وإمكانية استثمارها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ممكنة، وهي تمنح المدينة الروح، وهناك، أيضاً، إمكانية كبيرة لتطويرها من دون أن تكلف الدولة غير معاملات التخصيص، بعيداً عن الصيغة الحالية للرعاية السكنية التي عفى عليها الزمن، وأصبحت أزمة تلد أخرى، وتكلف المال العام الكثير.
في المقابل، لدى بنك الائتمان حتى اليوم نحو 3.5 مليار دينار قروض، ويجري تسديدها على مدى طويل، وكما قلنا في مرات سابقة، يمكن توظيفها في مشاريع تنموية سكنية في العاصمة، بينما الكثير من المواطنين حين يحصلون على حق الانتفاع بالأرض، يسارعون إلى بيعها وبأرقام خيالية، وأحياناً 300 أو 400 ألف دينار، علما أن الدولة تتقاضى 250 فلساً لثمن المتر، وهذا طبعاً يزيد أزمة الإسكان، ويرفع تكلفة بدل الإيجار الممنوح للموظف، فقد دفعت الدولة 3.8 مليار دينار حتى نهاية العام الماضي.
هذه الأموال تُهدر في ظل غياب رؤية، علماً أن الحلول سهلة، وتحتاج إلى إرادة، وكذلك تعديل بعض القوانين، خصوصاً البلدية والإسكان، والخدمات المتعلقة بالتشجيع على السكن في البناء العمودي داخل حدود العاصمة.
نعود ونكرر: يا سمو الرئيس، أيها الوزراء، عيشوا ليلة واحدة في العاصمة الموحشة، فربما تدركون ماذا يعني أن تكون الكويت خالية من الروح ليلاً.
الكويت الان ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.