اختفاء أزمة منتصف العمر يكشف عن مأساة جديدة!

لطالما عُرفت أزمة منتصف العمر بأنها ذروة التعاسة النفسية لدى الإنسان، حيث يبلغ القلق والتوتر والاكتئاب أعلى مستوياته بين أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، قبل أن تبدأ مستويات الرفاهية بالتحسن مجدداً مع التقدم في العمر. لكن دراسة جديدة تكشف أن هذا “المنحنى” لم يعد موجوداً، وأن الأسوأ قد انتقل إلى الأجيال الأصغر.

اختفاء “منحنى التعاسة”

نشرت مجلة “بلوس وان” في أواخر أغسطس الماضي بحثاً قاده الاقتصادي ديفيد بلانشفلاور من كلية دارتموث (الولايات المتحدة)، أظهر أن ما يُعرف بـ”منحنى التعاسة” – أي ارتفاع مستويات السوء النفسي في منتصف العمر ثم انخفاضها لاحقاً – قد اختفى تماماً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبحسب التحليل، فإن مستويات السوء النفسي لم تعد تبلغ ذروتها في منتصف العمر، بل تتناقص تدريجيًا كلما تقدم العمر. السبب؟ تدهور الصحة النفسية للشباب خلال السنوات الأخيرة، ما جعل فئة المراهقين والشباب البالغين تسجل اليوم أعلى معدلات القلق والاكتئاب.

بيانات شاملة تكشف التحوّل

اعتمدت الدراسة على بيانات ضخمة: أكثر من 10 ملايين بالغ أميركي جُمعت آراؤهم عبر استبيانات لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) بين 1993 و2024، إلى جانب بيانات نحو 40 ألف أسرة بريطانية من الدراسة الطولية للأسر في المملكة المتحدة بين 2009 و2023.

ولم يقتصر التحليل على هذين البلدين، إذ راجع الباحثون بيانات حوالي مليوني شخص من 44 دولة ضمن مشروع Global Minds للفترة ما بين 2020 و2025، وتبيّن أن الظاهرة نفسها – اختفاء “منحنى التعاسة” – تُسجَّل على المستوى العالمي أيضاً.

لماذا تدهورت صحة الشباب النفسية؟

الأسباب ليست محسومة بعد، لكن الباحثين يقترحون مجموعة من العوامل المحتملة:

– آثار الأزمة المالية العالمية التي قلّصت فرص العمل للشباب.

– نقص التمويل لخدمات الصحة النفسية الموجهة للفئات العمرية الصغيرة.

– تداعيات جائحة كوفيد-19 وما رافقها من عزلة وضغوط اجتماعية.

– الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي وما يُسببه من قلق مقارنات وضغط نفسي متواصل.

أزمة جيل جديد

يقول بلانشفلاور وزملاؤه إن هذا التحول “تاريخي”، إذ أصبح الشباب اليوم، بخلاف الماضي، أكثر عرضة للتعاسة النفسية من كبار السن. ويضيف الباحثون: “قلقنا الأكبر هو وجود أزمة صحة نفسية خطيرة بين الشباب في الوقت الراهن، وهي مسألة تستوجب تدخلاً عاجلاً قبل أن تتحول إلى كارثة طويلة الأمد”.