رعاية-أم-ومثابرة-ابن:-بزوغ-نجم-'بطل'-خُلق-من-أجل-الماء

رعاية أم ومثابرة ابن: بزوغ نجم 'بطل' خُلق من أجل الماء

سارة العوضي

وراء نجاح منصور المنصور، حب الأم رحاب المدلج، وشغف الابن الذي رفض الاستسلام، فمعاً حوّلا المصاعب إلى أمل، وشرارة الطفولة إلى نصر عالمي.

بالنسبة لمنصور، لطالما كان الماء أكثر من مجرد مسبح، بل كان خيطاً ثابتاً منسوجاً في حياته، حيث كان صبياً صغيراً عندما وقف خلف خط البداية في الكويت، غير مدرك أن تلك اللحظة ستحدد مصيره.

لم يكن حباً عفوياً، بل رابطا تعمق مع كل لفة وكل تحد، حتى أصبح المسبح في النهاية ملاذه الآمن.

هذه ليست قصة طفل نابغة مُقدّر له النجاح التلقائي، بل هي قصة مثابرة، إذ أبعدت الحياة منصور عن السباحة التنافسية لما يقرب من عقدين من الزمن، لكن اكتشافه لسباحة الزعانف أعاده إلى الواجهة، حيث كانت تجربة جديدة، لكنها حافظت على ارتباطه بالماء.

وسباحة الزعانف هي رياضة يستخدم فيها الرياضيون زعنفة أحادية أو ثنائية للتزحلق على الماء، تجمع بين السرعة والتقنية والقدرة على التحمل. ويعتمد النجاح على احترام هذه العناصر الثلاثة، فالسرعة لا قيمة لها من دون تقنية، والقدرة على التحمل تهدر دون سرعة.

صنع منصور المنصور تاريخه بفوزه بأول ميدالية ذهبية دولية للكويت في سباق 50 متراً تحت الماء، كما حطم العديد من الأرقام القياسية، بما في ذلك رقم قياسي عالمي في فئة “الماسترز”، إلا أن اللافت أنه حقق هذه الإنجازات من دون مدرب أو تمويل، وبعد سنوات من الابتعاد عن الرياضة.

وحين تذكر لحظة صمت العالم، رئتاه تحترقان، وساقاه ترتجفان، ونبض قلبه أعلى من أي شيء آخر، يقول: “كنت أفكر في كل صباح باكر، وفي كل جلسة تدريب كنت فيها وحدي، وأدركت أن كل ذلك قد أوصلني إلى هنا”.

إنجازات منصور لم تكن وليدة الحظ، بل نتيجة المثابرة، فهو ليس رياضياً متفرغاً، إذ يوازن بين التدريب المكثف والتعافي وبين وظيفة بدوام كامل لمدة 12 ساعة تتطلب الانتقال من وإلى الخفجي بالمملكة العربية السعودية.

قد لا يكون الأمر سهلاً، لكنه بسيط، يقول المنصور بوضوح: “نوم منضبط، وتغذية صحية، وتدريب مركز.. وأحمل زعنفتي دائماً، فلقد كانت معي من جبال زيرمات إلى مياه زنجبار.. إنها تذكرني بأنني لست متفرغاً أبداً”.

ويضيف: “إلى جانب الساعات التي أقضيها في الماء، وجلسات التدريب في الصالة الرياضية، والتأهيل الذهني، يكمن تحد آخر – التحدي الذهني”.

قبل أي سباق كبير، يثبت المنصور نفسه بحقيقة بسيطة: “أذكر نفسي أنني مررت بأسوأ من هذا.. هذه المعرفة تمنحني الهدوء، أتخيل السباق، وأتنفس بعمق، وأدع الضغط يصبح وقودا”.

لكن التحدي الأكبر الذي واجهه كان العودة بعد 18 عاماً إلى بيئة تنافسية غالباً ما كانت معادية لنجاحه، فخلال فترة ابتعاده عن الرياضة، بنى مسيرة مهنية ناجحة، ودعم عائلته، وتعافى من الإصابات. وبشأن ذلك، يقول: “كانت عودتي مبنية على الصبر والاستراتيجية والاستعداد للبدء من الصفر”.

وبما أن سباحة الزعانف ليست مشهورة على نطاق واسع كغيرها من الرياضات السائدة، ولا تحظى بالدعم المطلوب، فإن الموارد محدودة، الأمر الذي دفع رياضيين مثل المنصور إلى أن يصبحوا مدربين وممولين ومناصرين لأنفسهم.

وفي حين يدعو المنصور إلى توفير مرافق مناسبة، وقيادة مؤهلة، واستثمار حقيقي في هذه الرياضة، يعتقد أنه مع الوقت والمثابرة ستكتشف سباحة الزعانف، وسيتم الاعتراف بإمكانياتها، وستقترب تدريجيا من مكانتها على الساحة الأولمبية.

وعن رسالته للطامحين إلى النجاح في سباحة الزعانف، يذكرهم منصور بأن أحلامهم حقيقية حتى لو لم يفهمها الآخرون، ويقول: “اعملوا في صمت، ناضلوا من أجل مكانتكم، ودعوا نتائجكم تتحدث”.

ويضيف: “لكل حلم ثمن.. بالنسبة لي، كان يعني التخلي عن الاستقرار والراحة، وحتى العلاقات.. كان يعني التدريب بمفردي، وتمويل نفسي، والوقوف في وجه المعوقات التي حاولت تحطيمي”.

وحول إذا ما كان الأمر يستحق كل هذا، يقول: “بالتأكيد، أفضّل العيش بندوب الكفاح من أجل حلمي على الندم على عدم المحاولة.

x

رحاب المدلج تكشف أسرار نجاح ابنها

يعود نجاح منصور المنصور إلى دعم والدته المتواصل، التي آمنت بموهبته منذ الصغر، فيما ساهم تشجيعها وتضحياتها في رسم ملامح رحلته من صبي صغير في المسبح إلى سباحٍ عالمي يحمل الرقم القياسي.

في هذه المقابلة، تشارك رحاب المدلج قصصاً شخصيةً وقيمًا غذّت عزيمة منصور، كاشفةً عن الدور الحيوي الذي لعبته في مسيرته المهنية المميزة.

متى رأيتِ تلك الشرارة في منصور، ذلك الحبّ الخاصّ للماء؟

كان ذلك واضحاً منذ البداية، فعندما كان منصور طفلاً صغيراً، كان يشعر براحةٍ تامةٍ في الماء… هادئاً، سعيداً، وحيوياً. لم يكن الأمر بالنسبة له مجرد سباحة، بل كان كما لو أنه وجد أخيراً المكان الذي ينتمي إليه حقاً.

هل فكرتِ في لحظة ما: إنه ليس جيداً فحسب، بل إنه شيء استثنائي؟

بالتأكيد، أتذكر أول سباق تنافسي له، عندما رأيته يتحرك بكل تركيز وإصرار، أدركتُ… لم تكن هذه مجرد هواية، حيث كان شيئاً مميزاً حقاً، وكان شغفه يتلألأ في عينيه.

في تلك السنوات الأولى، كيف شجعتِ شغفه ورعايته؟

شجعته بحب وثبات، ولم أجبره أبداً، لكنني كنت دائماً أحرص على أن يعلم أنني أؤمن به، حيث كنت أحتفل بانتصاراته الصغيرة بقدر ما أحتفل بانتصاراته الكبيرة.

ما هي أكبر التحديات التي واجهتِها كأم تدعم هذا الحلم؟

كان التحدي الأكبر إيجاد التوازن، والتأكد من أنه يتدرب بما يكفي دون أن يفقد طفولته. كما كان من الصعب أيضاً التعامل مع أشخاص لم يفهموا سبب اهتمامي الشديد بحلمه.

هل كانت هناك لحظات اضطررتِ فيها للتضحية بوقتكِ أو راحتكِ أو خططكِ من أجل تدريبه؟

بالتأكيد، تخلّيتُ عن الوقت والراحة، وحتى عن خططي الخاصة، لكنني لم أرَ ذلك عبئاً قط. بالنسبة لي، كان زرع بذور مستقبله ومشاهدته يكبر يستحقان كل تضحية.

عندما ساءت الأمور عليه، كيف ساعدته على المضي قدماً؟

كنتُ أذكّره بحقيقته، وأقول له: “لقد خُلقتَ لتفعل هذا… لا تدع العواصف تُنسيك قوتك”. وهذه القناعة هي التي جعلته يصمد في الأوقات الصعبة.

كيف كان منصور الصغير: متحمساً، مرحاً، أم فضولياً؟

كان يجمع بين هذه الصفات، في لحظة يضحك ويمرح، وفي لحظة أخرى يكون مُركّزاً تماماً، هذا التوازن الجميل شكّل شخصيته اليوم.

هل فاجأكِ تصميمه أو مرونته في وقتٍ ما؟

في كثير من الأحيان، وحتى عندما كان مريضاً أو منهكاً، لم يتغيب عن التدريب أو يتذمّر، وهذا النوع من الانضباط نادر، حتى بين البالغين. لن أنسى أبداً تلك المرة التي أصيب فيها في ركبته قبل عشرة أيام فقط من محاولته تحطيم الرقم القياسي العالمي، حيث لم يستطع حتى صعود الدرج إلى غرفته، لكنه مع ذلك استجمع قواه للسفر إلى صربيا، وحطم الرقم القياسي العالمي.

هل يمكنك أن تروي لنا قصة طريفة أو مؤثرة من كواليس تدريباته لا يعرفها معظم الناس؟

في إحدى المرات، قبل لحظات من السباق، انكسرت زعنفته، وبدلاً من الذعر، أمسك بشريط لاصق بهدوء، وربطه، وواصل السباحة… فقط ليُكمل ما بدأه. ضحكنا على ذلك لاحقاً، ولكن في تلك اللحظة، رأيت كيف لا شيء يُزعزع عزيمته.

كيف كان شعورك وأنت تشاهدينه يفوز بأول ميدالية كبرى؟

بكيت، ليس فقط لأنه فاز، بل لأنني عرفت حجم التحدي الذي تسلقه ليصل إلى هنا، في كل صباح باكر، وكل تضحية.

في اللحظة التي حطم فيها الرقم القياسي العالمي، ما الذي كان يجول في ذهنك؟

لقد تجمدت أفكاري تماماً، وتسارعت نبضات قلبي، كل ما خطر ببالي هو: “لقد فعلها حقاً”، ففي تلك اللحظة، رأيتُ الطفل ذي التسع سنوات، الذي كان يحلم أحلاماً كبيرة، يعيشها الآن.

رؤية ابنكِ رمزاً للتميز الرياضي الكويتي، ماذا يعني لكِ ذلك كأم؟

يملأني هذا بفخرٍ كبير وفرحٍ عميق، فلقد رأيتُ الكفاح والتضحيات خلف الكواليس، وهذا ما يزيد الأمر أهمية.

ما القيم التي تعتقدين أنها كانت مفتاح نجاح منصور؟

الانضباط، والتواضع، والصبر… لطالما قلتُ له: “الموهبة تفتح الأبواب، لكن الشخصية تبقيها مفتوحة”.

ما نصيحتكِ لكل أمٍّ لديها أطفال بأحلام كبيرة وطموحات واسعة؟

استمعي إلى أطفالكِ، واصحبي شغفهم، فإيمانكِ بهم ودعمكِ لهم قد يكونان الفارق بين حلمٍ يموت وآخر يغيّر حياتهم.

عندما يتحدث الناس عن ابنكِ في المستقبل، كيف تأملين أن يتذكروه؟

أتمنى أن يُذكر أكثر من مجرد بطل… كرجل مثابر، متواضع، وشجاع في كل ما فعله… رجل ألهم الآخرين للإيمان بأنفسهم والسعي وراء أحلامهم.

الكويت الان ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *